فجوة خفية، تهديد كبير
لقد ابتعد الجيل الجديد، عن القيم والمؤسسات الإسلامية التقليدية مدفوعًا بالضغوط الاقتصادية وأنماط الحياة الرقمية والفردية وإذا أعادت المجتمعات بناء روابطها وأشركت الشباب في صنع القرار، يمكن أن تصبح هذه الفجوة فرصة لإحياء الدعوة وربط الأجيال.
المؤلف:
ماجد ويسي؛ کرمانشاه - ثلاث باباجاني
نداء إيقاظ للأمة الإسلامية والمجتمعات الداعية
تحليل استراتيجي لعوامل وأبعاد الفجوة بين الأجيال في الهياكل الإسلامية
مقدمة
من أهم القدرات التاريخية للأمة الإسلامية نقل الخبرة والحكمة وروح الإيمان من جيل إلى آخر وقد ضمن هذا الرابط استمرارية الدعوة والحفاظ على الهوية الإسلامية عبر الأجيال؛ إلا أن التغيرات الجذرية في السياسة والاقتصاد والثقافة والدين والمجتمع وعلم النفس الفردي أدت إلى ظهور ظاهرة بالغة التأثير ومثيرة للقلق وهي الفجوة بين الأجيال.
لم تُضعف هذه الفجوة الفهم المشترك بين الأجيال فحسب، بل ألقت بظلالها على عمليات التربية وبناء الأدوار، بل وحتى على استمرارية حیاة المجتمعات الإسلامية. فيما يلي نستعرض أهم المجالات التي ساهمت في تعميق هذه الفجوة:
١. العوامل الاقتصادية: ضغوطات المعيشة وتغير الأولويات
يواجه الجيل الشاب أزمات اقتصادية مزمنة كالبطالة والتضخم وانعدام الأمن الوظيفي؛ فقد تحولت أولوياته من المثالية إلى السعي وراء البقاء والمعيشة.
وقد أدى هذا الضغط الاقتصادي إلى تفاقم الفجوة القيمية والسلوكية بين الأجيال، وأدى إلى عدم الرضا عن المؤسسات الرسمية، بما في ذلك الجماعات الدينية.
وقد أدى الشعور بعدم المساواة والظلم في الفرص إلى اتساع الفجوة الفكرية بين الأجيال، وإضعاف شعور الشباب بالانتماء إلى المؤسسات الدينية.
٢. العوامل الثقافية: تغير أنماط الحياة والقيم
نشأ الجيل الجديد في قلب ثقافة عالمية ورقمية، وأصبح مُلِمًّا بقيم كالحرية الفردية والتنوع ومتعة وسائل الإعلام.
وقد أدى الصراع بين نمط الحياة الرقمي للجيل الجديد ونمط الحياة التقليدي للجيل الأكبر سنًا إلى أحكام متضاربة، ونتيجة لذلك، إلى انعدام الثقة.
وفي غياب التفاعل الواعي للمجتمعات مع الفضاء الثقافي الجديد، يجد الجيل الجديد نفسه غير ذي صلة أو غير منسجم مع البنى القائمة.
٣. العوامل الدينية: تحول السلطة وتغير نمط التدين
يميل الجيل الجديد إلى الاعتماد بشكل أقل على المؤسسات الدينية التقليدية، ويتأثر بشكل أكبر بالمؤثرين الدينيين والمحتوى الرقمي.
غالبًا ما يكون تدين هذا الجيل فرديًا مرنًا قائمًا على التجربة، عكس الجيل السابق الذي آمن بالتدين المؤسسي والجماعي.
تُعتبر اللغة الرسمية والتقليدية للدين ثقيلة، وأحيانًا غير ذات صلة بالجيل الجديد، بينما يجد إجابات فورية وسلسة في المنصات غير الرسمية.
٤. العوامل النفسية: الإرهاق، والقلق، وأزمة الهوية
أدت أزمة الهوية، والشعور بالضياع، والقلق المزمن، وتزايد الاضطرابات النفسية لدى الجيل الجديد إلى زيادة بُعدهم النفسي والذهني عن الأجيال السابقة.
يتحول الشباب الذين لا يُسمع لهم صوت، تدريجيًا، إلى سلبيين، ويائسين، أو حتى متمردين على التقاليد الدينية والاجتماعية.
أدى عجز المجتمعات عن تلبية الاحتياجات النفسية للجيل الجديد إلى تأجيج انعدام الثقة والبرود في العلاقات بين الأجيال.
٥. العوامل السياسية: انعدام الثقة والتباعد السياسي
يختلف الجيل الجديد، الذي نشأ في بيئة يغلب عليها انعدام الكفاءة والفساد والعرقلة السياسية، في نظرته إلى مفاهيم السياسة الدينية.
بينما اعتبر الجيل الأكبر سنًا السياسة الإسلامية وسيلةً لتحقيق العدالة وهوية الأمة، قد يعتبرها الجيل الجديد عرقلةً أو عدم كفاءة أو أداةً للسلطة.
وقد أدى هذا الاختلاف في وجهات النظر إلى البرود والتباعد، بل وحتى إلى الشك في مبدأ شرعية الحركات الدينية في الساحة العامة.
٦. العوامل الاجتماعية: تغير المؤسسات وظهور الفردية الجديدة
أدت التغيرات في بنية الأسرة، وتراجع دور الوالدين في نقل القيم، وتزايد الفردية، إلى توفير السياق الاجتماعي لهذه الفجوة.
يتبع شباب اليوم أنماطًا أقل جماعية وتقليدية، ويميلون أكثر نحو التجربة الفردية وحرية الاختيار والاستقلال الفكري.
تتعارض هذه الفردية مع الهياكل الهرمية للمجتمعات الإسلامية، وتخلق سياقًا للاغتراب.
نتيجة المراجعة وضرورتها
الفجوة بين الأجيال هي نتاجٌ متداخل لمجموعة من العوامل الخارجية والداخلية لا يمكن سدّها بمجرد النصح الأخلاقي أو نقد الشباب إذا لم تُصاحب هذه الفجوة مراجعة استراتيجية وإعادة تصميم للعلاقة مع الجيل الجديد، فقد تؤدي إلى انهيار تدريجي لرأس المال البشري للمجتمع الإسلامي.
الحلول اللازمة
في مواجهة هذا الوضع، يجب على المجتمع الإسلامي اتخاذ تدابير ذكية ومتعددة الأبعاد، بما في ذلك:
مراجعة لغة وأسلوب التواصل مع الجيل الجديد؛
تدريب مُربّين مُلِمّين بالقضايا الثقافية والنفسية للشباب؛
المشاركة الحقيقية للشباب في مختلف مستويات صنع القرار؛
خلق مساحات للحوار والتوافق بين الأجيال؛
تكييف النماذج التنظيمية مع الضرورات الثقافية والعقلية للقرن الحادي والعشرين.
كلمة ختامية
فجوة الأجيال تحذير، وليست كارثة إذا أدركناها وقبلناها وخططنا لها فقد تصبح فرصةً لدعوةٍ متجددة.
هذه الفجوة جسرٌ يُعاد بناؤه بالتواضع والحكمة والثقة... وليست جدارًا لمزيد من التفرقة.

الآراء